مرحبـــا

طقس دلهي

27°

تقــارير خـــاصـــة

الهند
في الإعلام العربي

الأخبار | 20 August 2017

الهند.. والتسامح الديني

د.ذِكْرُ الرحمن

الأسبوع الماضي، أنهى محمد حامد أنصاري، نائب الرئيس الهندي، فترته الثانية في ذلك المنصب المرموق. وأنصاري أكاديمي قبل أن يكون دبلوماسياً، ويحظى باحترام كبير، واستطاع خلال سنواته العشر في المنصب، الحفاظ على الحياد السياسي، وهو شرط أساسي لذلك المقام. وينحدر أنصاري من أسرة مرموقة لها تاريخ حافل بالنضال من أجل الحرية ضد الحكم البريطاني الاستعماري في الهند. فجده د. مختار أحمد أنصاري كان مقرباً من الزعيم الهندي غاندي، وترأس أيضاً حزب «المؤتمر الوطني الهندي» حتى قبل الاستقلال.

وقبل نهاية فترته في المنصب، تحدث حامد أنصاري عن المخاوف المتزايدة من عدم الشعور بالأمان بين شرائح من المواطنين، ولاسيما «الداليت» والمسلمين والمسيحيين. وفي تصريحاته التي أثارت حفيظة حزب «باهاراتيا جاناتا» الحاكم، أكد أنصاري «أن الشعور بالاستياء والإحساس بعدم الأمان يتسللان إلى نفوس المسلمين في الدولة»، وأن «بيئة القبول» معرضة للخطر. وبتوضيحه أنه تحدث إلى رئيس الوزراء ناريندرا مودي عن تصاعد وتيرة «التعصب»، أفاد بأن ذلك الإحساس بعدم الأمان كان كبيراً في المناطق الشمالية في الهند. وسرعان ما وجد أنصاري نفسه في مرمى الانتقادات اللاذعة من الحزب الحاكم، بعد تصريحاته، ولاسيما من رموز الحزب، وبينهم عدد من الوزراء، ووصفوا تصريحاته بأنها «إهانة للدولة»، بل ووصل الأمر إلى اتهامه مباشرة بـ«تشويه صورة الدولة».

وانتقاد الحزب الحاكم لحامد أنصاري، في وقت كان لا يزال يشغل منصب نائب الرئيس الهندي، جائر ولم يكن مبرراً على الإطلاق. وعلى رغم من أن كثيرين قد لا يتفقون مع تصريحات أنصاري، إلا أن رد فعل الحزب الحاكم دليل دامغ على زيادة وتيرة التعصب الديني في الهند. وفي الحقيقة، لم يبرهن «بهاراتيا جاناتا» سوى على صحة وجهة نظر نائب الرئيس السابق بشأن تقلص مساحة التسامح.

وتلك ليست المرة الأولى التي أعرب فيها نائب الرئيس عن وجهة نظره بشأن مسألة التسامح الديني، ففي السابق، أشار في خطاباته إلى محاولات طوائف معينة في المجتمع تمزيق النسيج التعددي للهند. وتعرض أنصاري لهجوم من قبل عناصر جناح اليمين الهندوسي، بسبب سعيه لتعزيز وضع المجتمع الإسلامي، الذي يعاني حالة من التردي على كثير من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ويحتاج إلى المساندة. وبالطبع، أغضبت تصريحاته جماعات هندوسية يمينية، والتي طالبته بالتراجع عن تصريحاته.

والواقع هو أن الهند لديها ثاني أكبر عدد سكان مسلمين في العالم بعد إندونيسيا، إذ يشكل المسلمون 15 في المئة من سكان الدولة، أي ما يصل إلى 200 مليون نسمة. ومن دون شك، تخلف المسلمون هناك على كثير من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. وإلى جانب عدد من المجتمعات المهمشة الأخرى مثل «الداليت»، الذين كانوا يعرفون في السابق بـ «حظر المساس»، يواجه المسلمون تمييزاً أيضاً. فهم لا يزالوا في قاع الهرم داخل الهند، ويواجهون التهميش الاجتماعي والفقر في أنحاء البلاد.

ولحامد أنصاري تاريخ حافل ولا تُعرف له أية زلات، وقد عمل في السابق مندوباً دائماً للهند لدى الأمم المتحدة، وإضافة إلى ذلك، شغل منصب سفير الهند لدى الإمارات العربية المتحدة وأستراليا وأفغانستان وإيران والمملكة العربية السعودية. وقد عمل نائباً لرئيس جامعة «عليغار الإسلامية» المرموقة، وشغل أيضاً منصب «رئيس لجنة الأقليات في الهند» قبل انتخابه نائباً للرئيس الهندي. لذا، فإن رفض تصريحاته، وشنّ هجوم محموم ضده يظهر بوضوح الانقسامات الراهنة في المجتمع الهندي.

وقد جاءت تصريحات أنصاري في وقت تواجه فيه الأقليات تجاوزات جماعات قومية هندوسية، والتي أضحت أكثر نشاطاً في ظل حكم «بهاراتيا جاناتا»، وتتجه إلى دفع أجندتها قدماً. وباسم حماية البقر، تستهدف تلك الجماعات صراحة أعضاء المجتمع المسلم، وكذلك الداليت، الذين يعملون في صناعة الجلود.

وتعكس التصريحات الذكية لأنصاري مخاوف ليس فقط المجتمع المسلم والأقليات المهمشة الأخرى في الهند، ولكن أيضاً الليبراليين والمفكرين والعلمانيين الجادين. وقد ثمنوا شجاعة الرجل في التحدث صراحة وتسليط الضوء على التهديد الذي يواجه قروناً من تعددية المجتمع الهندي.

وتواجه الحكومة انتقاداً لأنها لم تكبح جماح اليمين المتطرف، والجماعات القومية المتطرفة، ولم توجه لها رسالة قوية لتوقف هجومها على الأقليات باسم حماية البقر.

ويبدو أنه قد آن الأوان لكي تطمئن الحكومة في الهند كافة أفراد الجماعات الدينية بأنها لن تحمي حقوقهم فحسب، ولكنها ستدافع عنها أيضاً. وبدلاً من انتقاد حامد أنصاري، كان على الحكومة أن تثبت خطأه باتخاذ موقف قوي ضد كافة الجماعات المتطرفة التي تطبق القانون بأيديها، وتتعدى على الأبرياء بذرائع واهية والترويج لإشاعات.

نقلا عن الاتحاد

أخبار الصحف الهندية