مرحبـــا

طقس دلهي

30°

تقــارير خـــاصـــة

الهند
في الإعلام العربي

أخبــار من الصحف الهندية | 8 November 2017

لعبـــة النفــط الجــديدة

بقلم: فيكـــرام ميهتـــا

تعريب: فهيم أحمــــد

oil-and-gas

بعد الحرب العالمية الثانية، برزت الولايات المتحدة كقوة سياسية واقتصادية وعسكرية مهيمنة عالمياً. وكان أمن إمدادات النفط عنصرا حاسما في هذا التطور.

الإمبراطورية البريطانية، التي لم تغرب الشمس عليها، تلاعبت بالسياسة القبلية في منطقة الشرق الأوسط في أوائل القرن العشرين لتأمين متطلباتها النفطية. وإن الولايات المتحدة، كقوى مهيمنة في النصف الثاني من القرن نفسه، تخلت عن مبادئها الليبرالية وتقربت إلى الملوك والطغاة غير المستغلين، وأيضا لضمان ألا ينفد النفط لهم أبدا. التاريخ دليل غير كامل ولكنه في كثير من الأحيان هو الوحيد لدينا كدليل. لذا ينبغي طرح السؤال الآن. ماذا ستفعل الصين، ” القوة الهائلة ” للقرن الحادي والعشرين، لتخفيف اعتمادها على إمدادات النفط من الشرق الأوسط؟ وما هي العواقب المترتبة لهذه الأعمال بالنسبة للهند؟

في عام 1911، أقنع القائد الأول للقوات البحرية نستون تشرشل (عضو في مجلس الوزراء، المسؤول عن القوات البحرية) زملائه في مجلس الوزراء لدعم التوصية باستبدال النفط بالفحم كوقود للبحرية البريطانية. وكانت الحكومة في البداية مترددة لأن بريطانيا تمتلك كمية وفيرة من الفحم ولا يملك النفط محليا. فمن شأن هذا الاستبدال أن يعرض البحرية لتقلبات غير متوقعة فيما يخص إمدادات النفط الدولية. ولكن قام تشرشل بتقليل هذه المخاوف مع مزيج من المنطق الاقتصادي والجيوبوليتكي. مبينا أن التغيير سيزيد من سرعة السفينة. فإنه سيسمح بالتزود بالوقود في البحر، بينما أن الفحم أكثر من النفط، فإنه ستتوفر مساحة التخزين التي يمكن بعد ذلك تكوينها لزيادة قوة النيران للسفن. وأضاف أن بريطانيا ستؤمن إمدادات النفط من الشرق الأوسط عن طريق خطوة مزيجة من القوة الشاقة والكيد السياسى. هذا، تمكن من خلال آلية من شركة (Anglo-Persian ) التي تم تغيير اسمها في عام 1935 كشركة (Anglo-Iranian) للنفط وفي عام 1954 كشركة البترول البريطانية. وكان قرار تشرشل مثلت بداية ” عصر النفط ” وكذلك بداية اللعبة الكبرى للسياسة النفطية التي أدت إلى اهتزاز المنطقة على مر السنين.

بعد الحرب العالمية الثانية، برزت الولايات المتحدة كقوة سياسية واقتصادية وعسكرية مهيمنة عالمياً، وكان أمن إمدادات النفط عنصرا حاسما في هذا التطور. وإنه لأجل حماية هذا الأمن وفي تناقض مع التزامه المعلن بالديمقراطية والحرية، عرضت أمريكا على المستبدين لهذه المنطقة ضمانا ضمنيا للحماية،  إذ أنهم تدخلوا “بصراحة” في بعض الأحيان لتحقيق هذا الضمان. وقد يخبرنا الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش يوما لماذا أنه وافق على قصف البلاد على الرغم من عدم وجود أي دليل موضوعي يؤكد بأن العراق يطور أسلحة الدمار الشامل، ولكن إلى ذلك الحين، سيكون الرأي السائد هو أنه اتخذ هذه الخطوة لأجل تأمين السيطرة على الموارد النفطية العراقية. واليوم، إن منطقة الشرق الأوسط قد تمزقها عوامل التوتر الطائفي والصراع الأهلي والأصولية، ويرجع ذلك جزئيا إلى الفشل في هذا التدخل الصريح.

لذا، كيف ستحمي الصين القوة الناشئة للقرن الحادي والعشرين، مصالحها في مجال الطاقة؟ وكيف ستستخدم قوتها السياسية والاقتصادية لتأمين إمداداتها النفطية؟ وقد ازدادت هذه التساؤلات أهمية في ضوء الإشارات التي تناولها مؤتمر الحزب الشعبي التاسع عشر للحزب الشيوعي الذي اختتم مؤخرا. حيث أعلنت القيادة الصينية فى المؤتمر أن الصين لن تخفي “ضوءها تحت بوشيل” و “تنتظر وقتها”، وذلك فى إشارة إلى نصيحة الرئيس السابق دنغ شياو بينغ بأن البلاد لا تظهر قوتها قبل الأوان – وأن البلاد في “منعطف تاريخي” وتملك “قوة قوية” فهي مستعدة لشغل مركز الصدارة في العالم.

وتتمثل تحقق التطلعات العالمية للصين، كما كانت طموحات الإمبراطورية البريطانية والقوة العظمى الأمريكية، في الاعتماد على واردات النفط. إذ تستهلك الصين ما يقرب من 13 مليون برميل من النفط يوميا. ومنها يتم استيراد 60 في المائة، مما يُستورد 50 في المائة (حوالي 4 ملايين برميل يوميا) من الشرق الأوسط – معظمها من العراق وإيران والمملكة العربية السعودية – عبر مضيق هرمز ومضيق ملقا وبحار جنوب الصين المتنازع عليها. وإن القيادة الصينية لديها إلمام تمام تجاه هذا الصدع، وإنها تسعى منذ سنوات إلى التخفيف من المخاطر من خلال ضخ الاستثمار في مصادر الطاقة غير النفطية. فإنهم قد خصصت، على سبيل المثال، مبلغا قدره 340 مليار دولار لصرفها في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في السنوات الأربعة المقبلة، وهذا أكثر من أي بلد آخر في العالم. وتقوم الصين بتفعيل 34 مفاعلا نوويا، وهناك 20 مفاعلا آخرين قيد الإنشاء. كما إنها استثمرت في صفقات توريد الغاز على المدى الطويل مع روسيا وآسيا الوسطى وأستراليا. وعلى الرغم من كل ذلك، فإنها لم تتمكن من سد فجوة الواردات. والسبب هو الطلب المتزايد للمركبات التي تعمل بوقود الديزل/البنزين. وانطلقت واحدة وعشرون مليون منها على الطرق خلال عام 2016 وحده. حيث أن الصين هي أكبر مستورد للنفط الخام في العالم اليوم، وستبقى على حالها في المستقبل المنظور.

لقد تبنت الصين منذ عدة سنوات، صورة ضئيلة في الشرق الأوسط. في حين أنها قدمت دعما اقتصاديا ولكنه لم يكن مشاركا نشطا في سياسات القوة العظمى التقليدية. ولكنها عززت، في الآونة الأخيرة، هذه الصورة من خلال إطلاق عدد كبير من المبادرات الأيديولوجية. وقدمت كثيرا مع إيران في دعم الرئيس السوري بشار الأسد، كما أنها أجرت تمرينا بحريا صغيرا مع القوات البحرية الإيرانية في مضيق هرمز. ومن جهة أخرى، رحبت الصين بالعدو اللدود لإيران، العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في بكين في مارس 2016م، ووقعت اتفاقا في أبريل 2017م، حول تصنيع طائرات بدون طيار الصينية على أرض المملكة. وكانت ثمة تكهنات أيضا بأن الصين ترغب في الحصول على أسهم في شركة النفط الوطنية السعودية (أرامكو)  وذلك بتقييم من شأنه أن يلغي الحاجة لمواجهة المشاكل التنظيمية والإفصاح عن قائمة عامة في لندن أو نيويورك لتداول الأسهم. لماذا هذا الاهتمام المتزايد؟ لعله لأجل سد الفراغ الذي خلفته أمريكا. وعلى الأرجح لغرض تأمين إمدادات النفط.

والهند لديها مصالح استراتيجية هامة في الشرق الأوسط. لأنه وبصرف النظر عن اعتمادها على المنطقة للنفط، لديها ثمانية ملايين مواطن الذين يقومون بالتحويلات المالية التي تقدر بنحو 70 مليار دولار سنويا. فإن زعزعة استقرار المنطقة من شأنها أن تحدث مشكلة لوجستية ومالية كبيرة بالنسبة للهند. ومع ذلك، وقد تزداد هذه المشكلة إذا شغلت الصين موقعا استراتيجيا في ذلك الوقت. وتلعب الصين لعبة طويلة الأمد. ولابد لنا أن نتبع حركاته وخطواته بجدية.

***

أخبار الصحف الهندية