مرحبـــا

طقس دلهي

38°

تقــارير خـــاصـــة

الهند
في الإعلام العربي

الأخبار | 23 July 2020

رغبة في إيران وإهمال تجاه العرب

[كتب الصحفي الشهير سي. راجا موهان، مقالا بعنوان(Iran fantasy, Arab neglect) نشرته صحيفة إندين إكبريس اليومية في عددها الصادر في 21 يوليو 2020م. ويُنشر مفاد هذا المقال لتعم الفائدة].

الهند ليست قوة اقتصادية بسيطة في العالم العربي، لما لها ارتباط أطول مع المنطقة مقارنة بالصين. لذا يجب على دلهي، بدلا من تحديد منافسة غير واقعية مع بكين، أن تعزز لعبتها التجارية في العالم العربي.

بعض الشراكات الخارجية للهند، تجذب نوعا من العاطفة التي تحظى بها إيران في دلهي. واستمرت الرومانسية الهندية لصالح إيران بالرغم من وجود الفجوة الهائلة بين الحقيقة والضجيج فيما يخص العلاقات،  والحماس المستمر لإيران في دلهي مناقض تماما، مع التقدير الدائم الذي تحظى به علاقات الهند الأعمق والأوسع مع الجيران العرب لإيران.

تستند نظرية دلهي لعلاقاتها الخاصة مع إيران، إلى عدد من الادعاءات بما فيها الروابط التاريخية والحضارية وإمدادات الطاقة والأمن الإقليمي. وكل هذه العوامل تحمل أهمية أكبر فيما يخص ارتباط الهند بشبه الجزيرة العربية. لأن تواجد الملايين من المهاجرين الهنود في الدول العربية، والتحويلات الضخمة من العملة، والتعامل التجاري المكثف مع الخليج العربي تفوق كلها علاقات الهند مع إيران. ولقد قدمت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في السنوات الأخيرة، دعما لا يقدر بثمن في سبيل مكافحة الإرهاب، وإنها حالت دون محاولات لإدانة الهند في العالم الإسلامي.

وهناك مصادر كثيرة وراء هذا التضاد في الخيال الفكري للهند. ولكن الأول هو القلق الأخير في دلهي بشأن فقدان اتفاقية السكك الحديدية في إيران. علما بأن البلدان الكبيرة التي لديها استثمارات ومشاريع أجنبية كبيرة، تكسب بعضها وتفقد البعض. وهذا جزء من ممارسة الأعمال التجارية في بلدان أخرى. فلا مفر من المخاطر السياسية المرتبطة بالمشاريع الأجنبية. وإن السياسة – المحلية والدولية – قوية في إيران.

لقد تسبب نظام العقوبات الذي فرضته الولايات المتحدة بهدف شل اقتصاد إيران، والذي يستهدف دول ثالثة تتعامل مع كيانات إيرانية معينة. والهند حصلت على إعفاء من العقوبات الأمريكية، من مشاركتها في مشروع ميناء تشابهار في إيران. ولكنها لا تنطبق على بعض الشركاء الذين اقترحتهم إيران في مشروع السكة الحديدية. وتود إيران أن تكسر الهند نظام العقوبات الأمريكية. بينما تقاوم دلهي بحكمة هذا الإغراء. فإنها ستفقد اتفاقية السكك الحديدية بدلاً من الدخول في معركة تدور بين الولايات المتحدة وإيران.

ومع ذلك، يرى خبراء السياسة الخارجية، سياسة الهند تجاه إيران باعتبارها تقييم مستمر لـ “الحكم الذاتي الاستراتيجي” في دلهي. ويتوقعون من دلهي أن تجري علاقتها مع إيران بدون الإشارة إلى حساب التكلفة والعائد أوعلاقة إيران المضطربة مع الآخرين الذين تربطهم بالهند شراكات مهمة. وبالنسبة إلى الرومانسيين، الأمر يتعلق بإثبات صداقة دلهي مع طهران من خلال رفض الولايات المتحدة.

ولايمكن لأي حكومة في دلهي أن تقبل هذا الاقتراح، لأن الانتقاد الذي وجهته حكومة اليوم مماثل للانتقاد الموجه إلى الحكومة السابقة لعام 2005م، بسبب موقفها من البرنامج النووي السري الإيراني. وفي حال تصاعد الضغط الأمريكي على إيران بخصوص توضيح موقفها من إيران قبل 15 عاما، كانت هناك وجهة نظر قوية في دلهي مفادها بأنه ينبغي للهند أن تقف إلى جانب طهران. لكن البراغماتيين أشاروا إلى أحد الشروط المسبقة للاتفاق النووي بين الهند والولايات المتحدة، وهو التزام دلهي القوي بمنع انتشار الأسلحة النووية. وحذروا من أن دعم إيران في مواجهتها النووية لمعاهدة عدم الانتشار النووي يعني فقدان الدعم في الكونجرس الأمريكي بشأن المبادرة النووية المدنية التاريخية التي وقعها رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ والرئيس جورج دبليو بوش في يوليو 2005.

وأثار تصويت دلهي ضد إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية استياء شديدا من قبل الذين ينتقدون رئيس الوزراء سينغ. واقتنع البراغماتيون عندما أبرمت إيران صفقة نووية خاصة بها مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى، بعد عقد من الزمن. من المؤكد أن قد تعتني إيران بمصالحها الخاصة. بينما لايوجد سبب وجيه يدفع دلهي لدعم طهران في كل معاركها مع واشنطن.

هذا لايعني أن إيران غير مهمة بالنسبة لسياسة الهند الخارجية. لأن الحجم الجغرافي والديمغرافي، والموقع الجغرافي السياسي المجاور، والموارد الطبيعية والمواهب غير العادية التي يحظى بها الشعب الإيراني، تجعل إيران واحدة من أهم دول العالم. لقد فقدت معظم هذه الأصول الرائعة، للأسف، تأثيرها بسبب المواجهة الإيرانية الطويلة مع الولايات المتحدة.

وتسبب مشاهدة إيران من خلال عدسة مواجهتها مع الولايات المتحدة، في دفع الكثيرين في دلهي إلى تجاهل الطابع الإيديولوجي للثورة الإيرانية، وكذلك المخاوف الناشئة عن وعد طهران بتصدير ذلك إلى العالم العربي. إذ يواجه النظام الإيراني الإسلامي منذ أربعة عقود من الزمن، تمردات داخلية متكررة. حيث يوجد انقسامات خاصة لدى نظام رجال الدين في إيران، مما يزيد تعقيد مشاركة طهران العالمية. وستأتي لحظة طهران يوما ما. ولكن تلك اللحظة ليست في متناول اليد.

يذكر أنه ولأسباب داخلية وخارجية، ستظل إيران مكانا صعبا لممارسة الأعمال التجارية. ويجب على دلهي تعزيز العلاقات معها في حدود ذلك القيد المؤسف ولكن الحقيقي. وفي غضون ذلك، فتحت أبواب العالم العربي أمام التعاون السياسي والاقتصادي والتكنولوجي مع الهند. إذ أن ثلاث دول عربية معتدلة – مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – تواجه قوى راديكالية في المنطقة، تمثل شركاء مهمين للهند في مواجهة قوى تسعى لزعزعة الاستقرار.

ويتحتم على أولئك الذين يشعرون بالقلق من خسارة الهند أمام الصين في إيران، أن يروا حجم التقدم الاقتصادي الذي حققته بكين في العالم العربي. حيث أن الحديث عن صفقة رائعة بين الصين وإيران هو مجرد حديث الوقت. ولكن هناك عمل اقتصادي صيني حقيقي في العالم العربي حيث تحتضن المنطقة مبادرة الحزام والطريق الصينية. ويكتسب طريق الحرير الرقمي في الصين أيضا مكاسب في العالم العربي.

الهند ليست قوة اقتصادية بسيطة في العالم العربي، لما لها ارتباط أطول مع المنطقة مقارنة بالصين. لذا يجب على دلهي، بدلا من تحديد منافسة غير واقعية مع بكين، أن تعزز لعبتها التجارية في العالم العربي. حيث تكمن إحدى الإمكانيات الجديدة للهند في مجال التقنيات الجديدة.

وأطلقت دولة الإمارات يوم الاثنين أول مهمة فضائية عربية محلية الصنع من صاروخ ياباني. يمثل برنامج الفضاء الإماراتي انعكاسا للمشاعر الناشئة بين دول الخليج العربي، حول الحد من الاعتماد المفرط على النفط، وتعزيز مصادر الطاقة البديلة، والاستثمار في التعليم العالي، وتطوير محاور التكنولوجيا.

هذا يوفر أساسا متينا لرفع الشراكة الاقتصادية بين الهند والعالم العربي إلى المستوى التالي. وبالنسبة للهند، إن تكاليف إهمال الإمكانيات الجديدة واسعة النطاق في مجال التجارة لدى الدول العربية يمثل أعلى بكثير من اتفاق السكك الحديدية المفقود في إيران.

أخبار الصحف الهندية